
طالبان والهند: من العداء إلى البراغماتية – قراءة في تحولات الجهاد السياسي
2025-05-24
قراءة في كتاب “لماذا تفشل الأمم؟” من منظور عربي نقدي
2025-05-27بقلم: منصة المدى للدراسات الفكرية والاستراتيجية
في زمن التحولات العميقة، يصبح الادّعاء بالحياد سلوكًا مريحًا، لكنه غالبًا ما يخفي خلفه تواطؤًا صامتًا أو تهرّبًا من المسؤولية. فحين تشتعل الصراعات الكبرى، وتُنتهك القيم الإنسانية، ويقف الإنسان على مفترق الحق والباطل، لا يكون الصمت فضيلة، بل خيانة ناعمة مغلفة بلغة أكاديمية أو تبريرات “موضوعية”.
في السياق العربي، ظهر هذا النمط كثيرًا داخل أروقة النخب والمثقفين، حين يختبئون خلف مقولات مثل: “لسنا طرفًا”، أو “نحن نحلل ولا نحكم”، أو “نحن مع الحقيقة، لا مع أحد”. وهي عبارات في ظاهرها متزنة، لكنها – في جوهرها – تتجاهل أن الحياد المعرفي لا يعني التخلي عن البوصلة الأخلاقية، بل يفترض أن يرتكز عليها.
أن تكون محايدًا في أدوات التحليل، لا يعني أن تكون محايدًا تجاه الظلم. وأن تكون دقيقًا في توصيف الوقائع، لا يبرر لك أن تكون رماديًا في الموقف من الضحية والجلاد. فالمثقف ليس مجرد محلّل بيانات، بل هو حامل لرسالة، ومشارك في تشكيل الوعي الجمعي.
حين يُذبح الناس، وتُستباح الحقوق، وتُشوَّه المفاهيم، فإن أكثر أشكال الانحياز خطورة هي تلك التي تتنكر بثياب الحياد. لأنها لا تُقاوَم، ولا تُدان، بل تُستقبل بالتصفيق، وتُسوَّق على أنها حكمة واتزان. لكنها في الحقيقة تشبه من يقف متأمّلًا النار تلتهم البيت، ثم يدوّن انطباعاته الباردة عن “الاحتراق كظاهرة فيزيائية”.
الحياد الحقيقي هو الحياد أمام الذات، لا أمام القيم. أن تكون منصفًا مع الجميع، لا يعني أن تساوي بين من يدافع عن الكرامة، ومن يسحقها. إننا بحاجة إلى مثقف يحترم أدوات التحليل، لكنه لا يتخلى عن صوت الضمير. فالعقل حين يُفرغ من الأخلاق، يتحول إلى آلة خطيرة في خدمة الأقوى، لا في نصرة الأعدل.
لذلك، فإن الحياد المعرفي مطلوب، لكن الحياد الأخلاقي مرفوض. وإن أخطر ما تواجهه الأمم حين تضعف القيم، هو ألا تجد من يقول: هذا باطل، ولو بصوت خافت.